كم مشتاقة للكتابة حد انسكاب المطر في ثنايا مقالي, أسترق لحظة الكتابة من كوب قهوتي,حيث أمسك بطرف قلمي حين همت أصابعي بالكتابة واحلق عاليا كي أصل إليك أيها القارئ حيث يسكن قمة فكري,
ما تناولت القلم لأكتب مقالتي إلا بإحساسي أكتب حين يأتي دوري في الكتابة، تتبلور فكرة ما للطرح بتعليقات، تشرق حماساً، يقرءوني البعض، يؤيدها أحدهم، يوافقها ثان، يعلق ثالث، ترى هل صارت كتاباتي شحيحة مثل حروف يجرأ على لسان طفل، لست ادري؟! أرغب في شيء واحد فقط هو أن أسكن قلمي, استغل هدوء الليل وأركز نظري في قلمي الذي بات يعاني الشيخوخة, وقررت لقلمي أن يعمل معي منذ اليوم حيث يد الظهيرة تمسك به, والوقت يزحف على بطنه وأنا أحتمي بالجمال من أجل الحياة.
أكتب حينما ينام الكون، وقد أقرأ وأبحث، بعد عمل قهوة لي بعد تعب يومي, زوجي يناقشني أو يعقّب عمّا أكتب وتأتيني تعليقات بعد حين وأنا أفكّر بعيداً عن ضجيج العالم، أكتب وتنهال علي تعليقات سخية، أطلب صداقة القارئ وأخاطبه بتلقائية, كانت الساعة الحادية عشرة ليلا حينما غفوت إغفاءة باغتتني امتدت قرابة الساعة من الزمن, توجهت مباشرة صوب مكتبتي المتواضعة لأكتب ما يرضي فضولي فأعرف من خلالها سر إحساسي, كنت سأصرف ذهني لولا كان فجرا داكناً كالقهوة وعنوان الشتاء على أرصفة النسيان,حيث المطر يملئني بخطوات منهكة أغلق أهدابي على حب ملون لقطيف المطر.
ولكن أين أنا من نفسي وأنا قابعة هنا ما بين قلمي وإحساسي, اكتب بلا ذاكرة في ذات لا تليق بشيء, أرشف من كوب قهوتي هنا في مكتبتي المسقفة بالأحرف، فوق الطاولة تجلس مزهرية تتكئ عليها وردة آخذة في الذبول, الوردة التي تصارع للبقاء على قيد الحياة, وحافات ليل مازال يسترد نجومه وأنا أسمع شخير أحلام عصافيري،وأنا أميل نحو الصمت ونحو دواخلي فإن جرحي يسعى إلى أفكار أرقى, استطيع القول هنا أن ابتذال الاضطراب المجنون يقابله نبل الإحساس عندما سقط المطر في القطيف تريثت قليلا لعناق مشتت.
انتهى النهار وأنا اجري وراء مقالي الذي لم يولد بعد, وهنا فقط أردت أن أقول لكم كم موحش هذا الليل دون كتابة و هكذا يحتفظ الليل بقدسيته, أتوارى لا لأنني أحب الغياب أو العذاب أو العقاب فحسب بل ،لأني في انتظار بهاء لمتعة الكتابة, وأخيرا في مكتبتي ولدت فكرة هذا المقال وكوب القهوة بيدي, لذا اكتب الآن عن طيب خاطر اكتب دون أن اتبع قانون للكتابة, حيث تمثل الكتابة كل شيء لمن يعرف قيمتها, من بوابة الكتابة التي هي احتياج روحي وجداني, هذا هو جديدي هو إنني أعيش على محبة الآخرين معاملة ولا شيء في درب المحبة.
التأمل الكتابي ينبع من توق للوصول للمشاعر الصادقة, وذلك بسبب غياب بل تغييب الشفافية عند الأغلبية، ربما خارج إدراكي، يعني حين أنظر إلى وجه ما مثلا أفصله عما يريد، أتأمل المعاني الظاهرة والخفية، قد أغفر لنفسي هذه الخطيئة,التي تطغى العاطفة عندي أحيانا على التفكير, واستغفر السماء من سوء الأفكار التي يمكن أن تنتابني أحيانا أخرى لأعطي نفسي إجازة، أرد دون احتراس,ما قصدته حقا هو محاربة التطرف الأخلاقي والإنساني، فأقول ماذا يحدث للبشرية، إلى أين تسير، يتسلل التساؤل إلى دمي ويظهر من خلال كتاباتي, ومن مزاياها إنها حدث أخلاقي بالدرجة الأولى وأنا أحاول رؤية العالم من خلال الغير.
ولكن هذا لا يعني أنني أركّب المقالات تركيبا حسب الأهواء والأمزجة، وإنّما تأتيني الأفكار ذات تساؤل ذات حيرة ذات دهشة ، فيبعث على البياض النصّ وهاجسه هذا العالم بوجوهه المتعدّدة دون أسماء, لم يحدث يوما إني أشرت إلى أسماء معينة في مقالاتي إلا مضطرة عندما يتعلق الأمر بالجانب الشخصي , لا خوفا منها ولا احتراسا من ردود أفعالها, ولكني تعلمت من خلال تراكم الخبرة في هذا المجال , إن شخصنه الحقائق أثناء كشفها تفقدها مصداقيتها وتجعلها لعبة مكشوفة وخاسرة, لهذا السبب أنا الجأ لانتقاد الظواهر وفق القيم والأخلاق التي أتاحتها لي إنسانيتي, وكشفها أمام الملأ بدون مواربة أو تردد أما الأسماء فاتركها للريح.
يطل علي شتاء وافر من الليل هكذا يشذ المطر عن طفولته الأولى ويصبح قابلا للشيخوخة, التي كانت ترسم بياضها فوق قمم الغيوم وهي تفر من السماء سريعا,
استمحيك أيها ألمطر عذرا أن أعطيك ظهري تاركة لك أمنياتي وحدي تصادق السحاب, وهذا حلمي الذي سيخترق قلبي, لا أريد إرضاء البرق ولا ذاك السحاب فليعذرني قلمي حيث أدرك إن بعض الفرح مجرد حلم, واعرف إنني مازلت أحلم,وأنا املك كثيرا من الأحلام لأضعها في مقالاتي القادمة,يا ترى كيف يخرج الإحساس من قلبي وكيف يلبس الورد فستان حلمي, يا ترى كيف يحدث كل هذا لأني عبرت عن حلمي من هنا, وراحت أحلامي تكبر وتتشاجر وتصير أكثر من واحد وأكثر من العدد، فابتكرت لي لغة لا تفي بالغرض غالبا إلا لمعرفة أسماء قليلة ولأن العالم بدأ مسطحا كما رأيت، كان التشبث به من الداخل محض هراء لا أكثر لا ادري كيف، وأزيل القلق من جوفي,حيث رأيت ربما، كيف يصبح القلق بما يشبه تأنيب ذاتي.
أحلم بالغيرة بالحسد بالنفاق الاجتماعي تخرج من القلوب مطأطئة الرأس منتكسة مهزومة، أحلم بالحب النقي يطرد الحقد ويرمي به خارج الأفئدة، أحلم بقلبي نظيف مرتب يغادره الفوضى, وقفت فوق قلبي وبعد جهد يسير اختفت الأوجاع منه,ارتميت على ظهري وسمحت لخيالي أن يغرق في أحلامه من جديد, منتظرة أن تتسلل إلى تفكيري خطة أباشر بها فكرة مقالي.
كل عام وفي مطلع رأس السنة الجديدة أستقبله بتفاؤل بابتسامة لكن هذا العام حيرني لأنه كان مختلفاً تماما, في هذا اليوم أخذتني الجلسة الخاصة مع ذاتي وقد عبرت عنها وعن كل ما يختلج في صدري, ولكني لم أنسى(أمي) التي تبعدني عنها الأوجاع والتي تجاوزتها زياراتي الدائمة واستطاعت أن توصل أقوى شعور في نفسي, أهدي هذا المقال المتواضع أولاً لأمي حبيبتي وعزيزة روحي وقلبي, واهديه لكل من يتلذذ بتلك الكلمة العظيمة من الطيبات, ولكل من اعتبرتني ابنة لها ولكل أم قطيفية بشكل خاص,
ولكل الأمهات في هذا الكوكب بشكل عام, وأهنئهن على وصولهن لأعظم مرتبة من مراتب العاطفة والمشاعر والإنسانية, وأقول لكل الأمهات كل عام وانتن الأمهات ريحانات قلوبنا ونور عيوننا وجلاء همومنا, أعتذر عن تواضع هديتي وعن أخطائها وأعتذر عن المقدمة الطويلة في بداية مقالي, لكنني متأكدة إن النفوس الطيبة للأمهات تتسامى وتتجاوز كل تلك الأمور السطحية, وتقدر ذلك التقدير الأمومي العظيم لهذه الهدية وهو الأهم وأهمس لمن لديه أم أن يعتبرها تاج على الرأس.
هذا ما قرأته ذات مرة وأردت أن يعيش القارئ ما عشته من إحساس حيث عقل الإنسان يَعْمل في أغلب الأحيان، عندما تَتغيّر منزلتنا فقط القليل جدا يَتذكّرُ ما كانت حياتنا قبل ذلك, كانت هناك فتاة فاقدة البصر، كَرهتْ نفسها لأنها كَانتْ عمياءَ، وكرهت كُلّ شخص في الدنيا، ماعدا حبيبها المحبِّ، وهو الذي كَانَ دائماً بقربها, أخبرتْ الفتاة حبيبها: فقط إذا تمكنت أَنْ أَرى العالم فسَأَتزوّجُك, في أحد الأيام تبرع شخص ما بزوج من العيونِ إليها، وعندما تم إزالة الضمادات، أصبحت الفتاة قادرة على رؤية كُلّ شيءِ بما في ذلك حبيبها! سَألَها: (الآن بما أَنك قادرة أن تَشاهدي العالمَ، هَلْ ستتزوجينني) ؟نظرت الفتاة إلى حبيبها وكانت مفاجأة لها أنه كَانَ أعمى، وجفونِه المُغلقةِ صَدمتها، وهي التي ما كَانت لتتوقع ذلك، وفكرت بأنها ستقضي بقية حياتها إلى جواره, مما دفعها لرفْض الزَواج به تَركَها باكياً وبعد أيام كَتبَ إليها مُلاحظة : رجاءً أعتني كثيراً بعينيِكَ يا حبيبتي، فقد كانتا عيناي من قبل.
أوهمتُ مسافرة انجليزية بهنديتي وسحنتي السمراءُ تُساعِدُني على هذا الانتماء, بعد أنْ وجدتُها تضمرُ كرهاً شديداً للعربِ, تنكرت بهنديتي وفعلتي هذه ليستْ جرما أو عيبا إنهُ لأمر مُدهش أنْ يكونَ المرءُ هنديا, فالهنودُ طيبون وأصحابُ حضارةٍ ونزاهة وأنا لستُ أفضلَ منهم بشيء, الإنجليزية التي تبدو متقدمة ومتحضرة طيبةً للوهلةِ الأولى بعد أنْ اطْمأنت لحياديتي ولهنديتي تحديدا, راحتْ تدلقُ أمامي كراهيتَها للأقوامِ وتفرز سموماً عنصرية, ما أجملَكُم أيُّها الهنود وما أجملَني بانتمائي لكم,حيث أدركت إن تلك الإنجليزية تنتمي لكل الشعوب,ولكنها تكره العرب والمسلمين عموما نعم تحب الشعوب جميعا, وهنا أدعوا القراء كيف نقنع تلك الإنجليزية أو غيرها بأننا نحن العرب المسلمون حمام سلام نحو سماء الكون, وهنا تسقط أصابع الدهشة في كوب قهوتي الذي بين يدي!
إذا كان صحيحا أن الطيور تقع على أشكالها, فإن الصحيح أيضا أن القلوب تلتقي بأمثالها, ولا عجب وإلا لماذا التقى قلبي بقلب زوجي ؟ كم أنت قطيفي أيّها القلب؟ طوبى لقلبينا هذا اللقاء وهما يغذيان النبض نحو الغد الأجمل, مادام القطيف لي لن أخاف وحشة الشتاء, وهناك بيني وبين المطر حكاية تسافر على أكتاف الغيم والمعنى بقلبي ليس إلا.
التقيت بها في منزلي صدفة وكانت خير من ألف ميعاد، يمكن أن يجمع الإنسان بشخصية من النوع الرفيع كنتُ في قمة الفضول أنْ أتعرّف على إنسانة كان الاحترام كثيفا حولها وفيها وعلى وجهها, والهدوء صارخا من كلماتها و أنوثتها, حتى طريقتها في الجلوس انتظرتُ دورها بين أولئك الناس المبدعين في الحديث وجاد القدر عليّ وأكّد بالفعل شعوري بوهجها ورونقها من بعيد, أذكر أنّ حديثنا كان مساءا, هي ليست متكلفة كلها تلقائية وطفولة وسيدة من الدرجة الأولى, كلها بساطة وعفوية وابتسامة هي الفريدة التي يرّد بريق عينيها قبل الكلمات على إعجابي بها واحترامي لها.
لكل حب روحٌ تحتويه و قلبٌ يحتضنه, فالحبّ والولاء هو الطريق الوحيد لعناق القطيف, والاحتفاء بناسه ونخيله, وهو السبيل الأوحد للاستنارة بنور الله, الذي يوحد الشعوب على اختلاف مللهم, حين يشرق في قلوبهم, وهنا أتذكر قول الفيلسوف الدانمركي كي كغارد: (يغرس الواحد منا إصبعه في التربة فيعرف الأرض التي ينتمي إليها من الرائحة التي يشمّها، وأغرس أنا إصبعي في الوجود، فينم عبيره عن اللاشيء، فأين أنا ؟ ومن أين، وكيف جئت هنا؟) و ما هذا الشيء المسمى بالكون؟ وكيف وصلت إليه ؟ وكيف أصبحت مهتمة بالقطيف؟ أو ليس أمرا طوعيا أن أعشق القطيف! وإذا كنت مرغمة على تمثيل دوري فيه، فأين المخرج وإلا ما سر هذا الهيام والعشق؟
جرّبتُ يوماً أن أغير في طقوسي حين يطحنني الحنين إلي أرضي وناسي, ومضى الوقت ولم أشعر به، وساعات العودة باتت وشيكة تحت حشمة الساعة المعلقة, من علمني إن القطيف في كل مكان أجدها! بل من علمني إن الورد سينمو في قلبي وأنا بعيدة عن القطيف وبرائحة العود !ومن علمني إن حب القطيف طبع نكتسبه! ومن علمني الحياة بلا القطيف له معنى خاطئ,وأنا أنتظر بفارغ الصبر كي أجمع حقائبي وأعود للقطيف فلا أحب تغيير وسادتي، أرفع بصري فأجد زوجي الحبيب (الحُلم) يحدق بي ألتقط صورته بعدسة قلبي، أختلس النظر إلى الساعة، يضبطني زوجي وسعادته آخر انسجام هامسا لي: عليك الهدوء الصبر والابتسام .
الساعة تميل عقاربها إلى الوقوف في الوسط, وسط صمت رهيب اعجز عن البوح الساعة تشير إلى الثانية عشرة بعد منتصف الحلم بل إلى الانتصاف, هذا وقت سهري لكي أنصف روحي وأملئ أحداقي من بقايا ضحكة السماء العريضة التي تشبه قوس قزح, ترسم ملامح جديدة لمساءاتي الساكنة, لم أكن أهمل الوقت لأهميته لي, رغم ذلك امضي وابدأ نهاراتي من فوق مشارف ذاكرتي الموجعة,استمد حركة أصابعي فوق هذا الورق الأبيض لأقف عند الحدود المفتوحة نحو السماء, وأنا أحلق في فضاء بلون الورد التي لا تمحوها من ذاكرتي الأيام, قدري الذي أرغمني هذه الليلة أن أكتب هنا كي أمضي هكذا دون أن أعلن أن فصل الخريف حل بغير أوانه.
شكرا أيها المطر لقد منحتني الفرصة لأن أكتب بهدوء دون أن ينتبه البعض لحروفي, كم أستمتع بطلتك على زجاج نافذتي ومع المطر تمر الدقائق كما لو كانت سحبا, وتقاسمني دفء المكان أفكاري وكلماتي التي تذوب في المسامات التي يتركها الفراغ, لا أستطيع أن أكتب نصا لا أعشقه, لا بد للنص من أن يغويني لأبذل الجهد من أجل تقديمه للقارئ, وفي ذات الوقت أحاول أن أبحث عن قارئ يفهم كيف يقرأ مقالي كما يجب.
خيوط الفجر آتية بلا ريب لن يموت النخيل ولن يجف فكري مادامت القطيف بخير.
بنت القطيف: غالية محروس المحروس
و ماذا يستجد في نفسي و روحي ؟ و عيناي تتمهلان على سطورك وأحرفك ذات الأنغام السحريه؟؟؟
نعم في كل مره أدخل عالماً سحرياً يأخذني بعيداً ، فيبلِلُني المطر ويداعبني القمر وتدوخني رائحة القهوه التي تشربين من غير أن أتذوقها.....
في كل مرة تطير روحي إلى مملكتك السحريه وأُغلق بوابتها ورائي بإحكام فلا اُريد لأحدٍ أن يسترق النظر إليّ و أنا في حالةٍ من الذوبان المنهمر..
أشكال من الحب الرائع تنقلت بينه كنحلة ترتشف أنواع العسل الشهي من كل زهرة وقمر..
عشقت رائحة تراب وطني الذي أنعشه حبك والمطر..
واغتسلت بمياه دمعك،التي سالت حباً لأنواع البشر..
ولففت نفسي برداء مسائك المفعم بماضٍ جميل وعِبر...
ومازلت أحلق وأحوم بين فكرة وجملة تعانقها دقة قلب في عتمة ليل بلا سمر...
لأفاجأ بتوقف المطر،وسكون القلم وبقايا قهوة مازالت رائحتها تشهد المكان....